كيفَ تستطيع المحافَظة على ثباتك الإنفعالي

6 دقائق

تُعتَبَرُ المشاعر المحرّك الرّئيسي لأفعال البشر على مرّ العُصور. يُمكِنُنا مُلاحظة أَثَر المَشاعر على مُخرَجات الأفعال من خِلال قياس درجة خُطورة الفِعل نفسه وربطه بطبيعة الشّعور الذي سبقه وأدّى إلى انطلاقه. يمكن أن يؤدّي الإهتزاز الإنفعالي إلى نتائج كبيرة على مُستويات عدّة داخليّاََ وخارجيّاََ بسبب تطَوُّر المواقف المبنيّة على مشاعر جارفة تُشبِهُ إلى حدّ كبيرِِ أمواج البحر المُتلاطمة التي ما تلبَثُ أن تفتُر، حتّى تثور من جديدِِ عند أوّل ارتطام. بسبب طبيعة المشاعر المُتفاوتة في الحِدّة، فإنّ الحِفاظ على هدوئِها وثباتِها يُصبِحُ أمراََ مُلِحّاََ وضروريّاََ للإبقاء على النّمط المُعتدل من السُّلوك، وهذا الأمر يُبرِزُ لنا أهميّة الحِفاظ على الثّبات الإنفعالي. 

 

ما هو الثّبات الإنفعالي، وكيف نَستطيع تحقيقَه في أكثر المَواقِف حِدّةََ وتأثيراََ على حياتِنا؟

 

الثّبات الإنفعالي هو الوُصول إلى مستوىََ من الهُدوء العاطفي عند مُواجهة المواقف التي عادةََ ما تؤدي بنا إلى ارتكاب ما نندم عليه لاحقاََ. من هذه المواقِف الحادة مثلا الإنفصال، الحُكم على الآخرين، العصبيّة، أخذ قراراتِِ مصيريّة، التّورّط في مشاريع غير مرغوبِِ فيها، وغيرها من القرارات أو التّصرفات. الوصول إلى درجة مقبولة من هذا الثّبات الإنفعالي يُعتبر مهارةََ مميّزة لا يمتلكها إلا قلّة قليلة استطاعت أن تصل من خلال التّجربة والمواقف إلى طبيعةِِ هادئةِِ مُتّزنةِِ ومَرِنةِِ في اتّخاذ القرارات.

 

تبرز 8 عوامل أساسيّة في عمليّة تحقيق الثّبات الإنفعالي وتُؤدّي إلى الحفاظ على درجةِِ ثابتةِِ من الإستقرار العاطفي والشّعوري.

 

تغيير المَنظُور

يُعتَبر المنظور هو درجة الحُكم على الموقِف من خلال استقباله وتفسيره ومن ثمّ إعطاء النّظرة الشّخصيّة حوله عبر دمج عوامل وخبراتِِ مُتراكمةِِ في الوعي البشري. يمكن للشّخص على سبيل المثال أن يتخيّل موقفاََ عاديّاََ على عكس طبيعته لمجرّد أنه مرّ بموقفِِ مشابهِِ في البُنية والمعطيات ولكن مختلفِِ في الطّبيعة والشّكل. لهذا يميل العقل إلى التّفسير الأكثر أماناََ على المُتلقّي في محاولةِِ لحماية الإنسان من تجارب عنيفةِِ مُشابِهَةِِ بُغيَة الحفاظ على الإستمرار البشري وتجنيبه الوقوع في المُهلِكات. هذا السّلوك من الممكن أن يتغيّر بمجرّد أن يحاول الشّخص تغيير المنظور الذي يستقبل من خلاله المُعطَيات. يمكنه على سبيل المِثال أن يعتبر أنّ الشّخص الذي يتكلّم معه  الآن يهاجمه، ويمكنه على المقلب الآخر أن يفسّر هذا السّلوك على أنّه رغبةٌ من الشّخص المقابل بالتّقرّب منه. تصوّر الموقف من منظور مختلف سوف يؤدّي إلى اختلاف في طبيعة الشّعور الدّاخلي حول الشّخص والموقف وبالتّالي سوف يحفّز الإستقرار العاطفي الذي سوف يسمح بتعزيز الثّبات الإنفعالي للشّخص مع الوقت.

يمكن أيضا أن يستخدم الإنسان خدعة الطّرف الثّالث، والتي تسمح لنا بمراقبة الموقف حياديّا من دون الشّعور أنّ التّصرّفات مُوجّهة نحونا أو يُقصَدُ بها إيذائَنا أو التّقليل من شأنِنا. نستطيع في المُحصّلة أن نحكم على الموقف بطريقةِِ أكثر ثباتاََ وموضوعيّة مما سيسمح لنا بتحقيق أعلى درجات الثّبات الإنفعالي والسّكون الدّاخلي.

 

Photo by Andrea Piacquadio from Pexels
 

الشُّعور بالسّيطرة

تُعتَبَر السّيطرة مطلباََ إنسانيّاََ مُلحّاََ في العديد من المواقف. يرغب المدير أن يسيطر على مُجريات الأُمور داخل عمله، كما يرغب الوالد بأن يبسط سيطرته على المنزل، بينما يُهمِل العديد من النّاس عامل السّيطرة الأساسي الذي يجب أن ترتكز عليه جميع السّلوكيّات المائلة إلى التّحكُّم ألا وهو السّيطرة على المشاعر. يجب أن نسعى إلى السّيطرة على مشاعرنا ومحفّزاتها في الدّرجة الأولى لا أن نسمح لمشاعِرِنا بالسّيطرة علينا وعلى المواقف. إنّ وجود النّزعة المزاجيّة لدى الكثيرين بسبب ضعف الرّؤية أو الإدراك يسمحُ للمشاعر بالتّغلب على المواقف وبالتّالي أن يرتكِب الكثير من النّاس أخطاء مصيريّة تتعلّق بالأحكام والقرارات سواءََ في حالات العصبيّة أو الفيضان العاطفي. إن إدراك الشّخص لكونه هو المسيطر على مراكز التّوليفة العصبيّة المسؤولة عن المشاعر والأحاسيس يؤدّي إلى الحصول على الثّبات الإنفعالي والشّعور بامتلاك مفاتيح حالته النّفسيّة من دون الرّغبة في إثبات شيئِِ لنفسه أو لأحدِِ من النّاس.

هذا الشّعور يسمحُ للأشخاص بامتلاك عوامل قوّة عاطفيّة ويجعلهم أقل عرضةََ للمشاعر الجارفة الّتي تؤثّر على المواقِف بشكلِِ سلبيّ. الشّعور بالسّيطرة على النّفس هو أوّل عوامل الإستقرار العاطفي والنّفسي والإنفعالي.

 

التّوازن

قد يتلقّى الإنسان العديد من التّعليقات والملاحظات من أشخاصِِ ذوو خلفيّاتِِ مُتعدّدة ويقوم بالحُكم عليها من منظورِِ واحد، فيؤدّي الموقف إلى نتائج سلبيّة. عندما يقوم شخصٌ على سبيل المثال بالتّعليق على لون قميصك بأنّه (برّاق ولمّاع)، يُمكنك أن تتلقّى هذا الكلام بالطّريقة التي تُناسِبك، وبالتّالي أن يقوم عقلك بإطلاق المحفّزات المناسبة لطبيعة الموقف من أجل إفراز الهُرمونات الّتي ستتحكّم بطبيعة شُعورِك نحو الكلام والمتكلّم. عندما تدرك تعقيد هذه العمليّة من ناحيةِِ عمليّة، ستحاول قدر الإمكان أن تُقنِعَ نفسَك بضرورةِ أخذ التّفسير الأكثر إيجابيّة للمستقبِلات من أجل تبريرِها واستيعابها على النحو الأمثل.

هذا السّلوك العقلي يُسمّى التّوازن، الذي يسمحُ بإعادة تصنيف طبيعة المشاعر بناءََ على ما ترغب أنت بالشّعور به، لا ما يرغب النّاس بجعلِك تشعرُ به. التّوازن يحافظ أيضاََ على الثّبات الإنفعالي من خلال وضعك في موقفِِ صلبِِ غير قابلِِ للإهتزاز أمام النّاس، وبذلك سوفَ تقلّ محاولات فرض الهيمنة العاطفيّة من الآخرين تجاهَك، ببساطةِِ بسبب عدم تزعزُع موقِفِك في أكثر اللّحظات مصيريّةََ وبالتّالي النّظر إليك على أنّك غير قابل للهزيمة النفسيّة.

 

عدم قمع المَشَاعِر

تُعتَبَر المشاعر مؤشّرات هامّة متعلّقة بالصّحّة النّفسيّة والعقليّة. ما نشعر به يشكّل الحالة النّفسية والجسديّة، فضلاََ عن التّصرّفات السّلوكية الإجتماعيّة التي تُميّزنا عن الآخرين داخل المجتمع. يجب أن نُدرِك أنّ قمع المَشاعر له تَبِعاتِِ سلبيّةِِ على صحّة الدّماغ والأعصاب لأنّه يشكّل إجهاداََ فوق طاقة الجسم الطبيعي على التّحمل وبالتّالي قد يوصُلُنا إلى نوباتِِ من الغَضَب الهِستيري في مواقف معقّدة مُستقبَلاََ. هذا القمع يزيد من نشاط الخلايا الدماغيّة المُتعلّقة بالإنفعالات ويسبّب اختلالاََ نسبيّاََ من ناحية المُستقبِلات والمرسلات أو بمعنى آخر ( الفعل وردّة الفعل المُناسبة) بناءََ على التّصور الإدراكي المنطقي.

تُشيرُ الدّراسات إلى أنّ الأشخاص الذين يَقمَعون أو يتجاهلون مشاعرهم يؤدّي بهم ذلك إلى الإكتئاب والقلق المُزمِنَين. أمّا الأشخاص الذين يُعبِّرون عن مشاعرهم بتلقائيّة وعفويّة ويتعايشون مع العواطف سواءََ كانت إيجابيّة أو سلبيّة، فلديهم القُدرة على ممارسة يومِهم بشكلِِ ألطَفَ وأعصابِِ أبرد.

 

Photo by Andrea Piacquadio from Pexels 

الإيجابيّة

النّظرة العقليّة والنّفسيّة تجاه المواقف تحدّد دائماََ طريقة التّعامل معها. يمكننا على سبيل المثال أن نَنظُر إلى الموقف على أنّه مدمّرٌ وسوف يقضي على الحياة الّتي نعرِفُها، وبالتّالي سوف نتعامل معه تبعاََ للحُكم الذي أطلقناه عليه، بغضّ النّظر عن صوابيّة هذا الطّرح. هذا التّصوّر سوف يُلغِي كلّ المُحاولات الإيجابيّة التي من المُمكن أن تُؤدّي إلى نتائج حَسَنة على المدى القريب والبعيد. من النّاحية الأخرى، يُمكِنُنا أن نسأل أنفُسَنا: "هل سيؤثّر هذا الأمر على حياتي بعد أسبوع، شهر، سنة؟" ومن هنا سنبدأ بتحمّل المشاق لمدّة معيّنة آملين أن تنتهي المعاناة المتعلّقة بهذا الموقف سواءََ كانت المدّة قصيرة أم طويلة. 

الفرق بين الطّرحين رغم سهولة اكتشافه وإظهاره، إلّا أنّه جوهريٌّ و مصيريّ من جهة استدراج التّصرّفات المُناسبة لطبيعته، لذلك علينا دائماََ أن نطرَح على أنفُسِنا أكثر الخيارات إيجابيّةََ، لأنّنا لن نستطيع أن نتحمّل التّبعات السّلبيّة للعيش دون أملِ التّغيير حتّى ولو كان شِبه مستحيل. الثّبات الإنفعالي يتمّ تحديد نسبَتَه نظراََ لنسبة طُغيان الحالة الإيجابيّة على السلبيّة أو العكس.

 

Photo by Kelvin Valerio from Pexels 

التَنفُّس الصحّي

في الكثير من الحالات، نواجِهُ صعوبةََ في السّيطرة على الوظائف الجسديّة في أصعب اللّحظات وأخطرها. يفقِدُ البعض القُدرة على التّنفس بشكلِِ طبيعي، بينما يمكن أن يجد آخرون صعوبةََ في التّنفس بالأساس. يجب على الأشخاص الذين يرغَبونُ في الحِفاظ على ثباتِهم الإنفعالي أن يتذكّرو دائماََ أن يُسيطِرو على وظائف الجسم الأساسيّة وأبرزها التّنفس، فهذا الإستقرار يسمَح للجسم بالسّيطرة على كمّيّة الأوكسيجين الضّرورية لاسترخاء الأعضاء والخلايا فضلاََ عن الإستقرار في إفراز الهُرمونات المسؤولة عن الحالات الإنفعاليّة.

التّنفّس الثّابت الغير مُضطَرِب يؤدّي إلى بقاء الجسم في حالةِِ نفسيّةِِ طبيعيّة ويمنع تعرّضه لنوبات الغضب والصّدمة والهِستيريا الّتي تُفقِد الإنسان ثباتَه الإنفعالّي في أغلب المَواقِف. 

 

الإعتناء بالنّفس

يمكن اعتبار الثّبات الإنفعالي نتيجةََ مباشرةََ للصّحّة النّفسيّة التي تتعزّز من خلال الإنتباه للمؤثّرات السّيكولوجيّة التي يتعامل معها الإنسان. تلعب الممارسات الصّحيّة دوراََ كبيراََ في عمليّة تنظيم الثّبات الإنفعالي اليوميّ عبر برمجة العقل على أساسِِ متوازنِِ من ناحية إفراز الهرمونات الضّروريّة لعمل الغدد بالإضافة لتحسين جودة نقل الدّم والمغذيّات. تُعتبر الممارسات الأفضل للوصول إلى هذه النّتيجة الرّياضات العقليّة والجسديّة كاليوغا والتّدليك بالإضافة إلى الإهتمام بالسّعادة والضّحك وقضاء الأوقات الممتعة مع العائلة والأحباب.

 

Photo by Kamaji Ogino from Pexels 

الحُصول على مُساعدة الآخرين

قد تبدو الفكرة بدايةََ سلبيّةََ وتدلّ على الضّعف والعجز. لكن في المقلب الآخر، فإنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش لوحده وأن يقوم بكلّ النّشاطات والمسؤوليّات بمَعزَلِِ عن الآخرين. لكلّ شخصِِ مسؤوليّته ووظيفته في المجتمع، ولذلك لا يمكن الوصول للثّبات الإنفعالي في حال كنّا نأخذ كلّ شيئِِ على عاتِقِنا. هذا التّكامل المجتمعي سواءََ عبر قيام كلّ فردِِ من أفراد العائلة بوظيفَتِه المَنُوطة به، أو عبر تقسيم الأدوار في المُجتمعات الصّغيرة والكبيرة يُعتَبر الأساس للحصول على الثّقة بالنّفس والهُدوء العاطفي وبالتّالي الحفاظ على الثّبات الإنفعالي المطلوب للقيام بالواجبات وتنفيذ السُّلوكيات بشكلِِ صحيّ ومتكامل.

كما يمكن اللّجوء لمُساعدة الأخصّائيّين أيضاََ في بعض الحالات المَرَضِيّة الضّاغطة، ويتوجّب على الشّخص الذي يجد صعوبةََ في السّيطرة على مَشاعِره أن لا يخجَل من طلب المساعدة ممّن يستطيع أن يساعده على السّيطرة على مشاعره ونفسيّته والعودة إلى الحالة الطبيعيّة من جديد.

 

في النّهاية، يجب أن ندرك أن الثّبات الإنفعالي هو أمرٌ نسبيٌّ يتفاوت النّاس في شكله وحِدّتِه، ويمكن أن يتّخذ أشكالاََ عدّة، كما تؤثر فيه الوراثة بشكلِِ كبير. الأهم هنا أن نُحاول دائماََ أن نصل إلى أعلى مستوىََ مطلوب من هذا الثّبات لما فيه من فوائد صحّيّة واجتماعيّة وعاطفيّة على المنظور القريب والبعيد.



بمساهمة من   
فؤاد زيدان

مترجم وكاتب