هل يستعيد الملايين من الناجين من كوفد 19 حاستي الشّم والتذوّق؟

4 مشاركة
5 دقائق

كانت نتائجُ فحص إديلميرا ريفيرا لفيروس COVID-19 إيجابيةً, وفقدت حاسة الشم في 14 يناير.

 

حين كانت ريفيرا مستلقيةً على سريرها مع زوجها وابنها البالغ من العمر 16 شهرًا، كانت تختار فيلمًا عندما سمعت دويًّا عاليًا خارج منزلهم في واكو- تكساس.

 

صرخت أختها "نار!"، قالت ريفيرا ذات ال 22 عاماً: "أسقطتُ كل شيء وأمسكتُ ابني وبطانيته. لم أستطِع شمَّ أي شيء! لقد صُدمْتُ لرؤية النّار عند الباب الأمامي".

 

اشتمَّتْ شقيقتُها بيانكا، 19 عامًا، رائحة شيءٍ  يحترق من الجانب الآخر من المنزل، ظنَّتْ في البداية أن أختها قد أحرقَتْ الفِشار في المطبخ, وعندما اشتمَّتْ رائحة البلاستيك المحترِق خرجَتْ بيانكا ريفيرا من غرفتها ورأَتْ الدّخان في الردهة, وسرعان ما أخرجَتْ سبعة أشخاص وثلاثة كلاب من المنزل قبل أن تلتَهمَهُ النّار.

 

كمثل إديلميرا ريفيرا... عانى ملايينُ الأشخاص في جميع أنحاء العالم من تغيُّراتٍ في حاسَّة الشَّمِّ أو الذوق بعد الإصابة  بـ COVID-19 في معظم الحالات  تستمرُّ الأعراض عادةً لبضعة أسابيع فقط.

 

بعدَ مرورِ عامٍ على الوباء، لم يكن الباحثون متأكدين من الوقت الذي قد يستعيدُ فيه بعض النَّاجين من COVID-19 حواسَّهم - إن حدث ذلك- فقد تحمل الخسارة آثارًا طويلة الأجل فيما يتعلق بالسلامة والتعقيم والطب النَّفسي.


قال الدكتور جاي بيكيريلو اختصاصي الأنف والأذن والحنجرة والبروفيسور في كلية الطب بجامعة واشنطن, الذي يدرس الموضوع:"مع انتشار الوباء، حصلنا على فكرة أفضل عن الآثارِ المزمنة طويلة المدى لـ COVID على حاسة الشَّمِّ والتَّذوُّق, وإنَّ الأشياء التي تعلَّمناها تشير إلى أنَّ معظم النَّاس يستعيدون هذه الحاسَّة, ولكن ليس كلُّهم."
 

مليون ناجٍ جديد يعانون من ضعف مزمن في الحواس؟

توقع بيكيريلو أنه في العام المقبل، سيكون هناك ما لا يقل عن مليون حالة جديدة لأشخاص في الولايات المتحدة  يعانون من ضعفٍ مزمن في حاسة الشم أو الذوق بسبب COVID-19.

تشير الدراسات التي نشرتها المكتبة الوطنيّة للطِّبِّ ومجلة الطِّبِّ الباطنيِّ إلى أنَّ ما يصل إلى 80٪ من الأشخاص الذين يعانون من أعراض COVID-19 يعانون من اختلال وظيفيٍّ في حاسَّة الشَّمِّ أو التَّذوُّق, بينما يعاني البعض من انخفاض القدرة على الشَّمِّ أو التَّذوُّق, والبعض لديه خسارة كاملة, والبعض يعاني من الحواس المشوهة - تتغير بعضُ الأذواق والروائح أو تصبح كريهةً - وهي نتيجةٌ شائعةٌ بشكل متزايد، تسمى "باروسميا"
 

استعادة حاسة الشم بعد COVID-19

البرتقال المحروق والسُّكر البنيُّ لن يعيدوا الحواس المفقودة بسبب فيروس كورونا... وتقترح دراسة ولاية أوهايو استخدام الحلوى الصُّلبة لاختبار الأعراض.


قال رايتر: "بشكل عام، في أي وقت تأكل فيه شيئًا ما، فإنه يؤثر في حليمات التّذوّق في فمك، وتشمّ الأبخرة في طعامك في نفس الوقت، لذلك يقوم عقلك بتجميعها معًا لتحديد كيفية إدراكك لمذاق الطّعام".


وقال بيكيريلو: "إنَّ معظم الَّناس يستعيدون حواسَّهم في غضون أسابيعَ قليلةٍ، لكن بنسبةِ 5٪ -10٪ سيستمر ظهور الأعراض بعد ستة أشهر, وقد لا تعود حواسُّهم أبدًا.
 

وفي دراسة أُجريت لأكثر من 2500 مريض مصاب بفيروس COVID-19  في 18 مستشفى أوروبيّة، أفاد أكثر من 74٪ بأن لديهم حاسَّة شمٍّ مشوَّهة و 46٪ لديهم حاسَّة تذوُّق مشوَّهة. وكانت الغالبيّة في كلتا الفئتين من المرضى الأصغر سنًا وذوي الحالات الأكثر اعتدالًا. ولكنَّ النبأ السَّار هو أنَّ أكثر من نصف المرضى الذين يعانون من تشوهات في الشَّمِّ  رأَوا أنَّ أعراضهم تختفي في غضون شهر، وترتفعُ النسبةُ إلى 95٪ من المرضى قبل ستة أشهر, أما بالنسبة لأولئك المتبقّين 5٪  فلا يزال المستقبل غير واضح.

 

قالت الدكتورة  بام دالتون, الباحثة في مركز مونيل كيميكال سينسيز في فيلادلفيا: "إنَّ المرضى يجب ألَّا يفقدوا الأمل, فإن بعض الأشخاص الّذين فقدوا حاسة الشَّمِّ بسبب فيروسات الأنف التي تسبب نزلات البرد استعادوها بعد عدَّة سنوات".

وقالت  دالتون: "هناك أدلَّة من فيروسات أخرى قد تعطِّل النِّظام بطرق مختلفة يمكن أن يحدث التَّعافي بعد ستَّة أشهر, فليس هناك أمر قطعيٌّ يمكن بعده التخلي عن كلِّ الآمال".
 

الآثار السَّلبية لفقدان حاسَّة الشَّمِّ والتَّذوُّق

قال الخبراء إنِّ فقدان حاسّة الشَّمِّ أو التَّذوُّق يمكن أنْ يكون له تأثيرٌ شديد على نوعيَّة الحياة ويجعل من الصَّعب تحديد المخاطر في البيئة، مثل تسرُّب الغاز أو تمييز الطَّعام الفاسد, وبالنسبة للمهن التي تعتمد على الحواسّ يمكن أن ينتهي الأمر إلى خسارة الوظيفة, كما أنه يمكن أن يغير العلاقات ويؤدِّي إلى تدهور الصِّحة العقليَّة ويؤدي إلى فقدان أو زيادة الوزن بشكل حادٍّ.

 

قالت سترين المقيمة في مدينة نيويورك, إنها اكتسبت 30 رطلاً منذ أن فقدت حاستيّ الشّمّ والتّذوّق في أواخر مارس، عندما كانت تعاني من حالة خفيفة من COVID-19 لمدة ستّة أسابيع, وإنها متعبة جدًا من ممارسة الرياضة، وتأكل الكثير من الكربوهيدرات لأنها تحبُّ شعورها في فمها. وفي ديسمبر استطاعت أن تشمَّ  رائحة البرتقال لأول مرة وبدأت في البكاء, وقبل بضعة أسابيع  شمَّتْ رائحةً خفيفةً للكعك عندما مرَّتْ بجوار المخبز.
 

وقالت سترين إنَّ عائلتها تنتقل إلى شقَّة أخرى، وتخطِّط لتركيب أجهزة كشف الدُّخان والغاز في المنزل الجديد على الفور. وقالت: "إنَّه أمرٌ مخيف للغاية إذا كان هناك تسرُّبٌ لا أستطيع شمَّه."

 

وقال الخبراء إنَّ العديد من المرضى الذين فقدوا حاسَّة الشَّمِّ أو التَّذوُّق يعانون من القلق الاجتماعيِّ والمخاوف المتعلِّقة بالنَّظافة.

 

قالت دالتون: "سيقوم الناس بعدم ارتداء أيِّ قطعة من الملابس أكثر من مرَّة لأنَّهم يخشون أن تكون رائحة أجسادهم كريهةً  ولا يمكنهم اكتشافها, والشيء نفسه ينطبق مع الكثير من التّفاعلات الاجتماعيَّة المختلفة".
 

يتعين على جيل باف البالغة من العمر 53 عامًا، من لونج بيتش بولاية ميسيسيبي، أن تطلب من زوجها اختبار طعم وجباتهم أوإخبارها بوجود شيء كريه الرَّائحة في سلَّة المهملات. كانت لديها حالة خفيفة من COVID-19 في سبتمبر - انسداد في الأنف لبضعة أيّام ولكنها لم تُصبْ بالحمَّى, ومنذ ذلك الحين تلاشت حواسها.

 

قالت باف، التي لا تزال تستخدم العطور كلَّ يوم: "هذا الأسبوع كان مذاق القهوة مضحكًا... كنت أتلقَّى بعض الرَّوائح الغريبة حقًا مثل الوقود! إنَّها غريبة جدًا... ولقد حصلت على مولودة جديدة وأريد فقط أن أستطيع شمَّ رائحة ستيلّا..."

بالنّسبة لبعض الناجين من COVID-19، فإنَّ فقدان حاسّة الشّمّ أو التَّذوُّق يمكن أن يكون "معوِّقًا"، على حد قول بيكيريلو.  وقال: "مع كلِّ مشاكل نوعيَّة الحياة أثناء الوباء، إنَّه لأمر محزن للغاية أن تكون معزولاً الآن بسبب فقدك لحاسَّة الشَّمِّ أو وتشوُّهها وهو الأسوأ".
 

هل يمكن أن نفقد حاسّة التَّذوُّق فقط

لا تزال الأبحاث حول كيفيَّة تعطيل فيروس كورونا لحاسَّة التَّذوُّق والشَّمِّ مستمرَّة.. . ففي يوليو نشر عشراتُ الباحثين ورقةً تشير إلى أنَّ الفيروس التاجيُّ ( فيروس كورونا)  يغيِّر حاسَّة الشَّمِّ لدى المرضى ليس عن طريق إصابة الخلايا العصبيَّة التي تكشف الرَّائحة بشكل مباشر, بل بالتأثير على وظيفة الخلايا الدَّاعمة.


ويبحث باحثون آخرون فيما إذا كان الفيروس التاجي يهاجم نظام التَّذوُّق بشكل مستقلٍّ عن نظام الشَّمِّ؟ وهل يفقد المرضى حاسة التذوق كنتيجة مباشرة لفقدان حاسَّة الشَّمِّ؟ أم أنَّهم يفقدون الحساسية الكيميائيَّة في أفواههم؟
قالت فالنتينا بارما الباحثة في جامعة تمبل والتي تدرس حاسَّة الشَّم والتَّذوٌّق: "إن هيئة المختصين ما زالت قائمة بشأن الآلية التي تؤثرعلى التَّذُّوق لدى مرضى COVID-19.
 

علاج فقدان أو تشوه حاسَّة الشَّمِّ أو التَّذوُّق

هناك بعض الأبحاث حول علاجات الستيرويد والفيتامينات, وهناك أيضًا تقنية مستخدمة منذ فترة طويلة تُسمَّى التَّدريب على حاسَّة الشَّمِّ, حيث يقوم المرضى الذين فقدوا حاسَّة الشَّمِّ بشمِّ الزُّيوت المختلفة لفترة وجيزة كلَّ يوم لعدَّة أسابيع.


وقال بيكيريلو: "بالنسبة لأولئك المرضى الذين لديهم تشوُّهات في حاسَّة الشَّمِّ، نعتقد أنَّ هذا نوعٌ من سوء التَّوصيل الكهربائيّ؛ فعندما يرون القهوة يشمُّون رائحة البرتقال, ومن خلال التَّدريب على حاسَّة الشَّمِّ يمكنك ربما إعادة التّوصيلات الكهربائيّة الصحيحة. هذه هي الفرضيّة."


قال بيكيريلو: "الرَّائحة رقم 1 التي يرغب النَّاس في التدرُّب عليها هي الدُّخان, فعدم قدرتهم على شمِّ رائحة الدُّخان أو الغاز الطبيعيِّ  تجعلهم خائفين للغاية."


بدأ بيكيريلو وفريقه  تجربة سريريَّة تبحث في عقار الثيوفيلين وهو دواء شائع للربو.


استعادت إيدلميرا ريفيرا، حاسَّة الشَّمِّ بعد أيَّام قليلة من الحريق الذي يخضع للتحقيق. وتخطِّط الأسرة لإعادة بناء منزلها وتركيب أجهزة كشف الدُّخان.
 

قالت إلديميرا: "فقدت كلَّ أحذيتي وملابسي... لا شيء من هذا يهمُّني, فهو يمكن استبداله, حتَّى عدم وجود منزل لابني ... أنا ممتنَّةٌ لأنَّني ما زلت أمتلك ابني وما زلت على قيد الحياة لأراه وهو يكبر."

 

وقالت ريفيرا:" اعتقدت أنَّها خدعة واعتقدت أنّها مزيَّفة, لكن في الواقع مررت بها وفقدت حاسَّة الشَّمِّ، إنَّه أمرٌ مخيف...لكن عليك أن تعتبرها تذكيرًا بالعناية بمنزلك والعناية بنفسك."

 

أما بيانكا ريفيرا، فهي لا تعرف سبب عدم إصابتها بـ COVID-19 مطلقًا، حتَّى بعد الاختلاط الطَّويل بعائلتها وأصدقائها عندما انتقلوا إلى غرف الفندق معًا بعد الحريق....


المصدر